17 - 07 - 2024

تعا اشرب شاي| سلامتها أم صابر

تعا اشرب شاي| سلامتها أم صابر

ليلى سيدة مكافحة فى أواخر الأربعينيات من عمرها، إستطاعت مع زوجها الموظف البسيط أن تربى ثلاثة أولاد إلتحق أحدهم بالمرحلة الجامعية وشارف على الإنتهاء منها، ولكنها أصيبت بإنزلاق غضروفى بالعمود الفقرى، مما اضطرها للاستعانة بخادمة لمساعدتها فى أعمال المنزل مرة كل أسبوع، واضطر زوجها كذلك للعمل على سيارة أجرة مساء لتوفير نفقات المعيشة.

ذات يوم انتهت الخادمة التى تساعدها من مهامها المعتادة، فأعطتها السيدة ليلى حسابها المتفق عليه، إلا أن الخادمة أخبرتها أن ذلك المبلغ لم يعد كافيا، تجهمت السيدة ليلى وسألتها بغضب حاولت السيطرة عليه: ليه بقى إن شاء الله؟

الخادمة: والله يا مدام أنا إمبارح رحت للولية أم صابر اللى فارشة نصبة عالناصية عندنا، لقيتها غلت كل حاجة، بتقوللى عشان البنزين غلى.

ليلى بدهشة: ليه هى كانت بتزرع البقدونس والجعضيض فى حقل بترول!

الخادمة: والله يا مدام أنا أخدمك بعينيا، بس مش بإيدى، وحضرتك شوفى براحتك حد غيرى لو مش موافقة.

اضطرت ليلى للتسليم بالأمر الواقع وإعطاء الشغالة أجرتها مع الزيادة التى طلبتها، وبعد أن انصرفت قصت على زوجها ما كان، فأزبد وأرغى وانتفخت أوداجه كقط استفزه جرو أزعر.

ليلى بشفقة وخجل: والنبى ما تعمل فى نفسك كدة.

الزوج وقد إزداد غضبا: إسمها إيه الولية دى؟

ليلى بدهشة: قصدك مين؟ أم أحمد الشغالة؟

الزوج بنفاد صبر: لا، بياعة الخضار

ليلى: أم صابر يا خويا

الزوج: الله يحرقها، قال ذلك بينما زلزل المنزل على إثر إغلاقه باب الشقة وراءه بعنف.

إستقل سيد المنزل سيارته الأجرة وبعد فترة ليست بالقصيرة، وجد زبونا يشير له بالوقوف، وقف الرجل للزبون الذى بادره قائلا: أرض اللوا يمة المهندزين ياسطى بسرعة إلهى لا يسيئك.

تحرك الرجل بالسيارة، ثم وقف حيث أشار له الآخر،آ  فمد له الأخير يده بالنقود وهو يهم بالنزول، نظر السائق إلى النقود قائلا: معلش حط عليهم عشرة كمان.

الراكب بتعجب: ليه بقى إن شاء الله؟

السائق: دا أقل حاجة، دى أم صابر الولية اللى فارشة نصبة خضار عالناصية غلت أسعارها علينا عشان البنزين، مش عايزنى أنا أزود!!

الراكب بلطف: يامعلم إحنا غلابة زى بعض، وربنا لولاش متأخر عالباشمهندز اللى باشتغل معاه لكنت خدت أى ميكروباظ.

السائق بملل: لو سمحت ريحنى ربنا يريحك.

الراكب بإستظراف: ياعم إحنا مصريين زى بعض، خليك وطنى، إيه؟ ماشربتش من نيلها؟ ههههه

السائق وهو ينفخ: وجربت أغنيلها سياتك، بس برضه حتدفع الفرق.

دفع الراكب المبلغ صاغرا، وترجل من السيارة ولكنه ظل يسير إلى جوارها كراقصى "الكيكى" وهو يكيل للسائق وللست أم صابر كل ما يحفظ من الشتائم ثم دلف إلى إحدى العمارات وصعد الدرج وهو يلهث متجها إلى شقة تحت التأسيس تخص أحد معلمى المرحلة الثانوية حيث كان ينتظره المهندس المسئول عن تشطيبها بفروغ صبر، فما كان منه إلا أن اعتذر بأدب وبادر بالقيام بأعمال السباكة الموكلة إليه حتى إنتهت مهامه فى ذلك اليوم، ولم ينتظر أن يعطيه المهندس أجره كالعادة، بل ذهب إليه كى يطالب بزيادة "اليومية".

صمت المهندس برهة ثم تنفس بهدوء قائلا وهو يمسح على رأس الرجل: روح ياسطى حسين هدى أعصابك كدة وإعملك حلة فشار وأقعد إتفرج على أى فيلم من أفلام "شركة المرعبين المحدودة" على قناة mbc 3 حتنبسط جدا صدقنى.

الأسطى حسين ببرود: وماله؟ أتفرج، بس عايز الزيادة برضك.

المهندس وقد رسم على وجهه إبتسامة كالحة: حبيبى تستاهل كل خير والله، قلتلى عايز كام؟

الأسطى حسين وقد إنفرجت أساريره: عشة جينى.

المهندس ببرود: طب والله قليل عليك، ايه رأيك نخليهم خمسين؟

فرك الرجل عينيه من أثر الدهشة وقبل أن ينطق بادره المهندس قائلا: بس للأسف الإيد طويلة والعين ضريرة، ماكنش ينعز والله، معييش.

الأسطى حسين ببرود أشد: ألف سلامة على عين حضرتك ومناخيرك، بس برضك حتدفع.

فجأة انتفض المهندس غاضبا: مش معقول يعنى أكون واحد من اللى بيدرسوا للناس محاضرات عن كيفية مواجهة التنمر وبعدين تيجى إنت تنسينى كل اللى باعلمهولم! 

فتح الأسطى عينيه بدهشة قائلا: مش فاهم أنا إيه نظرية "التمرمر" دى!!! ثم أضاف: يا هندزة المحاضرات دى تقولها لمؤاخذة للعيال الزفرة اللى بياكلوا السمك نيى بالشوكة والعصايةآ  فى المحلات إياها، أنا فى نفسى دلوقت، الولية أم صابر اللى فارشة نصبة خضار عالناصية غلت أسعارها علينا، أنا ذنب أهلى إيه؟

المهندس بغضب أشد: وطبعا كل العمال اللى تحت إيدى حيطالبوا زيك بالزيادة، الله يحرقك يا أم صابر، ثم مد يده فى جيبه وأعطى للرجل المبلغ المطلوب.

إنطلق الأسطى حسين متجها إلى باب الشقة ليخرج، بينما أسرع المهندس بالإتصال بالمدرس صاحب الشقة وشرح له ما حدث طالبا منه زيادة مبلغ المقاولة المتفق عليه لأنه مضطر أن يزيد أجر كل العاملين معه هذا بخلاف "المون" التى لابد أن اسعارها ستزيد هى الأخرى بسبب الولية أم صابر اللى فارشة نصبة عالناصية، وافق المدرس بعد كثير من الشد والجذب وكثير من الدعوات وصب اللعنات على أم صابر وزوجها وزوج خالتها وعمتها.

فى إحدى العيادات الخاصة ، يجلس الدكتور أحمد بعد أن أنار الضوء الأحمر خارج غرفته حتى لا يدخل عليه أحد.

آ كان يهاتف زوجته فى المحمول وقد أخذ منه الغضب كل مأخذ:

- يعنى إيه مدرس الولاد يغلى الحصة؟ وإزاى توافقى يا ست هانم.

...........

- نعم؟ أنا طلعت عينى على ما قدرت أجهز عيادة على أدى، وبادفع كل شهر فاتورة مية وكهربا وغاز وضرايب ومرتب للتمرجى وماشى بما يرضى الله.

.............. . 

- أظن أنا أما إتقدمتلك ما خدعتكيش وقلتلك إنى شبل فى نادى بيراميدز، كنتى عارفة إنى حيالله حتة دكتور .

. ..............

- ماليش دعوة بأم صابر اللى فارشة نصبة خضار عالناصية، وبعدين ياستى إن شاالله ماتعلموا، عايزة مستقبلهم يضيع ويطلعوا لا قدر الله دكاترة زى أبوهم!

..............

- ماشى ياست هانم بس أما اجيلك، الله يحرقك يا أم صابر.

فى هذه اللحظة وجد التومرجى الذى يعمل معه واقفا منتصبا أمامه، فتلبسته فجأة روح عم عكاشة صاحب قناة الفراعين وقذف بالهاتف المحمول فى الحائط المقابل لمكتبه وهو يقول بإنفعال شديد: هى زريبة يابنى! انت بتهزر يا حبيبى! فاكر نفسك قاعد فى بيتكم؟

التومرجى بخجل: لا مؤاخذة يا دكتور بس فيه واحدة برة تعبانة وعايزة تدخل وأنا خبطت على حضرتك كتير وما رديتش.

- الطبيب بإنفعال: قلها جبرنا خلاص، بطلنا شغل وحنبيع خضار.

التومرجى بعد تردد: بس دى غلبانة أوى وأنا عارف حضرتك بتحب تساعد الحالات الإنسانية اللى زيها، دى ولية إسمها أم صابر وفارشة نصبة خضار عالناصية.

الطبيب بدون تركيز: مش حاشوف حد .

فجأة ينتبه الطبيب لاسم المريضة فينادى التومرجى الذى قفل عائدا بإحباط.

- إستنى يا مصطفى، قلتلى إسمها إيه؟

التومرجى وقد إنبسطت أساريره: أم صابر يا فندم.

- الطبيب بفرح : دخلها فورا، ولا أقولك خليها تعمللى رسم قلب ورسم مخ ورسم بالزيت ورسم بألوان المية، و أشعة بالصبغة وأشعة تانية بالحنة وأشعة فوق البنفسجية واشعة تحت البنفسجية وتحليل حمل وأشعة عالجنين.

التومرجى مقاطعا: حمل إيه يا دكتور، دى توعى على فحت البحر لمؤاخذة.

الطبيب: ربك على كل شئ قدير يا سيدى، إيه إنت حتكفر!

خرج التومرجى من الحجرة وقد إرتسمت على وجهه كل علامات الدهشة، بينما ضرب الطبيب بيده بشدة على المكتب بإنتصار وهو يقول: yes ...  ألف سلامة يا أم صابر، وربنا لأطلع القديم والجديد كله على جتتك.
 --------------------

بقلم: أماني قاسم

مقالات اخرى للكاتب

جاء فى مستوى الطالب الضعيف